منبر الحـــــوار

 

بقلم / صالح كرار - 29/1/2021 -   salehkarrar@gmail.com

 

 
 
 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المعادلة الجديدة في المنطقة

 

بعض شوارد الكلام التي كانت تقرع أسماعنا من بعض العارفين بكواليس المنطقة ، منذ سنين ليست بالبعيدة استوقفت المتابعين وأشعلت فضولا كبيرا للتسائل ، فقد ردد بعضهم ما يمكن أن يوصف بالحنين إلى  إثيوبيا الموحدة مما أوحى أو فهم منه  تخوفهم من عودة إرتريا إليها ، والبعض الآخر رفع شعار وحدة إرتريا وإقليم تقراي مما عرف " بدولة الأقعزيان " وغيرها وهو شعار راج بعد زوال الإستعمار الإيطالي لإرتريا ، ومعروف أن ولدآب ولد ماريام وأسياس أفورقي ممن حملوه هدفا مبدئيا وعرف في الساحة الإرترية بتقراي تقرينية ، وما زاد الشكوك أكثر والريب ما تظاهر به رأس النظام الإرتري من الإنتماء الحقيقي ليس لتقراي فحسب بل لإثيوبيا  حيث زعم وجود قبرجده في في مدينة بحر دار الأمهرية ؛ وما نقله عنه أبي أحمد : "أن من أعز أمانيه أن يطوف بمقلي عاصمة تقراي يوما دون حرس وبروتوكولات " ، فهذا الحنين والشوق يبرهن المكنون العاطفي الكبير المخزون في نفس صاحبنا ، وجاءت الحرب الإثيوبية في تقراي الآن بأحداث وتفاعلات عجيبة ، فبقدرما ينشغل المراقبون بأحداثها المأساوية وكوارثها الجسام يتسائلون أيضا ماذا وراء ذلك ؟ . وما الذي أقحم إرتريا في الصراع الإثيوبي ؟ .

هذا السؤال يجب أن يستوقفنا مليا ، ويتطلب الأمر ليس قاراءة ماوراء السطور إذا صح التعبير ؛ وإنما قراءة تسلسل الأحداث التأريخية القريبة أيضا ، فهو ما يتوقع أن يعطينا الصورة الكاملة للأهداف المرسومة للمنطقة كلها.

عند أول مرة يعود فيها هيلي سلاسي ملك إثيوبيا الأخير إلى بلاده على متن طائرة برطانية بعد هروبه من الإيطاليين الذين إحتلوا إثيوبيا قبل الحرب العالمية الثانية حملته تلك الطائرة إلى أسمرا عاصمة إرتريا وليس إلى أديس أبابا عاصمة بلاده ، حيث كانت إرتريا حسب قرار الأمم المتحدة دولة يجب أن تستقل ؛ وتفسر الأحداث بعد ذلك سبب الرحلة وأهدافها ؛ وإذا تجاوزنا الأحداث الأقل أهمية بعد ذلك وأخذنا رحيل نظام منقستو وما تلاه ؛ نجد أن ، الأمور كلها دبرت بليل وكل ما تم كان وفق بنود استراتيجية وأهداف مرسومة من قبل الغرب لم يكن هؤلاء المسؤلون سوى صور علقت على الأبوب ، وأدوار أدوها تكليفا حسب سينايوا المسرحية ، ولكن يبد أن مسرحية جديدة تعد للعرض في الفترة القادة حسب معطيات الأحداث والأدوار المعهودة .

في يوم الفاتح من  سبتمبر بالتحديد من عام 2019 ، كان نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل يستقبل أبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا ؛ وبدى الأمر وكأنه احتفاء بالمناسبة التى غيرت مسارالتأريخ في القرن الإفريقي وحددت معالم جديدة لنهوض وتحرير الشعوب فيها ، لكنها سارت وفق بوصلة خالفت تماما مسار الخط الإستراتيجي الغربي مما جعلها دون علم العاملين فيها في مواجهة شرسة مع الغرب وخير شاهد على ذلك حرب أوغادين في الصومال الإثيوبي إضافة إلى محاربة الثورة الإرترية من قبل المعسكرين الشرقي والغربي حينها معا ؛ فاللقاء كان يعني أن سبتمبرا جديدا في رحم البذور يخالف الأول في الإتجاه وفي كل الأمور ؛ وقد رأينا ربما لتسرعه في تحقيق الأهداف السرية أن أبي أحمد قد كوّن قوة بحرية لإثيوبيا مما يبعث للإستغراب لمن لم يعرف ما وراء الأكمة .

كانت البنود التى استلم على أساسها خلفاء منقستو في إرتريا وإثيوبيا السلطة سرية وبقت سرية إلى يومنا هذا مما أكد أن تلك البنود في تفعيل متواصل كذا ما تلاها من أحداث خطيرة وهامة باتت سرية مثل الحرب الإرترية الإثيوبية في التسعينات وما تلاها من اتفاقيات الحدود وما بعده من عملية السلام كل ذلك مبني على المجهول .

سقت هذه الأمثلة حتى أأكد صحت المقولة القديمة الدائمة التى تقول : "أن هذه المنطقة لا تحدد شعوبها مصيرها ولا سلطتها تأريخيا ؛ وإنما يحددها أصحاب النفوذ الأعلى في العالم " .

أن معادلة خطيرة تجري إختباراتها العملية الآن في المنطقة ، والحرب بمثابة الحرارة التي تصهر المواد المتفاعلة في البوتقة والقوى الداخلة في التفاعل هي نفسها القوى الخارجة من التفاعل لا جديد ولا اختلاف إلا في المواقع والأوزان ، ولا يتحدد ذلك أثناء التفاعل الحالي فربما تتالى التفاعلات إلى حين بل حتى بعد توقف وسكون وركود .

إثيوبيا تأريخيا إما يحكمها التقراي أو الأمهرة ؛ وهما تأريخيا في صراع مستمر على كرسي السيادة وهو أمر معروف لمن يعرفونهما ؛ والصراع الحالي مهما أوجدوا له من أسماء ومبررات يبقى ضمن الدائرة نفسها ، نظام منقستو وهيلي سلاسي الأمهراوي ؛ خلفه نظام تقراي في إثيوبي ، ونظام الشعبية في إرتريا حيث هما نفس المكون وذلك بترتيب وبرمجة غربية رتبته عمليا بإزاحة ، جبهة التحرير الإرترية بالتنسيق بين الجبهتين ، ثم إزاحة منقستوالأمهراوي أيضا بالتنسيق بينهما وتسليم السلطة في البلدين للتقرينية ، ولكن التقرينية فشلت في البلدين في قيادة الشعوب وإدارة الدول ؛ اتخذت التقرينية نمطين من الأنظمة السياسية في إثيوبيا كان النمط الفيدرالي الديمقراطي الحر الذي يحاول أبي أحمد إعادته إلى نظام الدولة المركزية ، وفي إرتريا النمط الدكتاتوري الإرهابي المتسلط وكلاهما باءا بالفشل ، ولك أن تلاحظ في حرب تقراي إهمال الغرب وتجاهله للأحداث الجسيمة ، مرت كل تلك الأشهر وحسمت الدولتين التفوق العسكري التقراوي وكان دأب الغرب الإبهام والتشكيك والترقب ، ومازال يشكك في الوجود الإرتري  ويهمش كل الوقائع التي برهنت هذا الوجود مع أن الجنود الإرتريين لم يندسو ونشطوا أكثر مما نشط الجيش الإثيوبي نفسه مما يؤكد لك أن الأمور تنفذ وفق بنودها المتفق عليه ، وأن النظام الإرتري مبرمج ضمن الصراع  لا خيارله ومكلف تماما مثل العسكري الذي ينفذ بلا اعتراض ، ثم قد يكون له حق السؤال وهذ يوحي أن إرتريا بعد اليوم لا يمكن القبلول عند أحد إختلافها عن إثيوبيا وشعوبها عمليا ؛ وهو ما أكده رأس النظام في لقائاته وفي خطابه أمام الشعب الإثيوبي ، وفي الحالين سواء كانت القيادة في إرتريا على غفلة منها أو بوعي وإدراك تامين أرجعت إرتريا والإرتريين إلى المربع الأول .

والسيناريوهات المحتملة الآن واحد من إثنين إما أن تكون إثيوبيا دولة واحدة تحت سيادة الأمهرا بخضوع إقليم التقراي وقبوله بماهو مفروض علية ؛ وهذا أمر تتخلله الكثير من المعيقات ولا يسهل لشراسة وخطورة شعب التقراي واستعداده لخوض الحروب المتواصلة التي ستنهك الجيش الإثيوبي لوعورة أرضهم وتعودهم الدائم على التقشف ، فضلا عن تشجيع بقية الأقاليم الإثيوبية على التمرد والعصيان  ؛ إضافة لقدرتهم على استدرار العطف الغربي وربما دعمه .

أما الخيار الآخر وهو غير مرغوب فيه من الغرب ويكون مجبرا عليه وهوالسماح بقيام دولة منفصلة عن إثيوبيا تقرينية يقودها التقراي وفي هذه الحالة ستكون حلم التقراويين دولة تقراي الكبرى كما يسمونها وأهم أهدافها  إذا تحققت أن تضم إرتريا وربما هذا هو سر عنف نظام الشعبية في حرب التقراي حتى يجبرهم على الخضوع لإثيوبيا وعدم التفكير في الإنفصال الذي يعني الكثير لنظام الشعبية ،وكان رأس النظام الإرتري قد أكد أنه من منع التقراويين إعلان دولة تقراي المنفصلة بعد زوال نظام منقستو في لقاءات عدة له ، ولا أشك في أن للنظام الإرتري تصور لتقراي يحلم به خال من جبهة تحرير تقراي ومهيمن علي الإقليم  من قلبه مع أن الواقع يشهد عكس ذلك والأحداث تعاكس هذه الفرضية ؛  لكن كما نلاحظ في الحالتين للإثيوبيين عين ترقب إرتريا، والغرب كما يؤكد دائما ليس في خريطته الفعلية إلا دولة إثيوبية واحدة .  والله أعلم

صالح كرار  - 29/1/2021 -   salehkarrar@gmail.com