منبر الحـــــوار

بقلم / جهراي أدال

2020/06/14

 
 
 


الاجازيان من أين والى أين؟


الاجازيان: مظهر من مظاهر التطرف المسيحي في إرتريا (1)


ختلف الناس في تفسير عدوانية ومعنى ومغذى مجموعة الاجازيان وتوقيتها، حيث ظهرت فجأة كالبركان وملأ ضجيجها الإعلامي الساحة الارترية وشغل الناس فيها.

وظهر المدعو أيوب والمعروف باسمه الحركي تسفاظيون (وتعني أمل صهيون) كواجهة إعلامية لهذه الجوقة. وتباينت الآراء في تشخيص هذا التحرك وبهذا الأسلوب الفج والخطاب العنصري العنيف الذي لم يكن مألوفا لا في ماضي إرتريا أو حاضرها، فذهب الناس مذاهب شتى في تفسير ما يحدث، فمنهم من رأى بانه تعبير عن حالة السخط والإحباط ونغمة على الحالة التي وصل اليها الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للناس في إرتريا تحت حكم الشعبية- الهقدف، فتحول الضغط المزمن الى هيستيريا وحالة جنونية تستدعي تدخل الطب النفسي.

فهنالك من لا يزال يظن بان وراء هذه المجموعة استخبارات اثيوبية او على الأقل استخبارات الحكومة الإقليمية في تجراي، وهي التي توفر لها الرعاية والحماية والتوجيه والتمويل، بينما بسط البعض الاخر الامر، فربطوا الموضوع برمته بشخص تسفاصهيون الذي لم يروا فيه أكثر من كونه شخص معتوه.

بينما راي فيه البعض الاخر بانه مجرد ناشط مختل عقليا يعاني من اضطرابات في الوعي، او مسيحي متطرف ومعتوه يندفع تحت ضغط وتأثير خطاب اليمين المتطرف في أوروبا وامريكا، ولكن لكل من يراقب ويتابع ويحلل بعناية سلوك ونهج ومضامين الخطاب الإعلامي، ولغة التهديد والوعيد بالإبادة الجماعية للمسلمين التي تتبناها هذه الزمرة، يكتشف بانها لم تكن هذا او ذاك وان كل التكهنات الأولية بشأنها كانت في غير موضعه.

فمن الواضح بان مجموعة الاجازيان لم تكن مجرد انفعالات شخص محبط، بل عمل منظم ومنسق ويتبنى خطاب اعلامي مدروس وصارم وموجه بدقه عالية لتحقيق اهداف واضحة ومحددة، ولكن بأسلوب بسيط وبلغة هابط تناسب عقول وقلوب السذج والمشبعين بالأفكار التقليدية المتمحورة "حول الانا والأخر الثقافية" التي تسكن عقول وافئدة قطاع واسع من المجتمع الارتري.

وبثت هذه الزمرة ومنذ ظهورها العلني في عام 2016، والى لحظة كتابة هذه السطور أكثر من 600 تسجيل عبر اليوتيوب، بمعدل تسجيلين في الأسبوع، ولا يقل كل تسجيل عن ساعة (بين 45 الى ساعة وربع)، وتحول البث من مجرد مبادرات شخصية لناشط الى قناة تلفزيونية تعرف باسم (Agazian Media Broadcast) تبث من لندن وإسرائيل.

والجدير بالذكر هو اننا لا نتحدث هنا عن مجموعة واحدة بل مجموعات تتبنى الخطاب العنصري ضد وجود المسلمين، ولا ترى إمكانية تحقيق مشروع دولة "الاجازيان" بوجودهم على ارضهم سيرا على خطى الصهيونية في فلسطين. وأشهر هذه المجموعات هي جمعية الاخوة الاجازية (The Assicaition of Agazian Brotherhood)، والاجازيان الأصليين (The Native Agazian)، والجبهة الوطنية للاجازيان (The National Front of Agazizn). وتختلف هذه المجموعات في قراءتها وتفسيرها لقضايا التاريخ والسياسة وفي رؤيتها الاستراتيجية، وعلاقاتها، ولكنها جميعا تتفق في اتخاذ الدين (التوهدو) واللغة (التجرنية والجئز) والعدو المشترك (المسلمين والامهرة) أساسا لمبادئها العنصرية، وسنعود الى هذه النقطة لاحقا ضمن هذه السلسلة من المقالات التي سننشرها بهذا الشأن.

وعليه لا شك بان هنالك فريق عمل يقف خلف هذا الجهد الإعلامي المنظم، وان الجهات التي ترعى هذا العمل تتمتع بقدرات وخبرات عالية في التنظيم والانضباط ولها باع طويل لا يستهان به في التعبئة الطائفية والتوجيه السياسي.

وربما كانت المفارقة تكمن في ان يتردد الارتريون في توجيه أصابع الاتهام الى أطراف ارترية بالوقوف وراء هذه المجموعة، وما دفع انظارهم بعيدا عن ذلك، ربما كان بسبب الخبرة العميقة التي تتمتع بها الجهة التي ترعى المشروع في إدارة الاعلام السري والموجة للتغطية على العديد من الممارسات القذرة والسياسات اللا وطنية.

ولهذا بدأ تسفاصهيون أولى تسجيلاته بالهجوم على النظام الارتري ورئيسه اسياس افورقي، الذي كان له نصيب من الاتهامات "المهذبة" و"المدح بما يشبه الذم" والعتاب على انه سخر قدرات وامكانيات أبناء قومية التجرنية لخدمة المسلمين (القبليين) المتخلفين، وسعيه لصناعة هوية ارترية واحدة من الخليط غير المتجانس للمكونات اللغوية والثقافية على حساب الهوية الثقافية "الراسخة" للتجرنية.

وهذا دأب الكثير من وسائل الاعلام المندسة التابعة للنظام الارتري، ولنا في مواقع مثل دهاي واسمرينو ومسكرم وغيرها من الواقع والاذرع الإعلامية والسياسية للنظام في الخارج والتي بدأت في النصف الأول من عقد التسعينيات وشغلت ساحة المعارضة بما كانت تنقله من مواد لتوهم الناس بأنها أكثر الجهات الاريترية المعارضة تشددا وعداء للنظام.


ولكن الزمن كعادته كان كفيلا بإسقاط كل هذه الأقنعة، وحتما سيسقط غيرها حتى ولو كانت مصنوعة من الفولاذ وتتمتع بجودة مماثلة للصناعات الأمنية للجبهة الشعبية لتحرير إرتريا (الهقدف).


والغريب هو ان مختلف الاتجاهات المسيحية المعارضة التي كانت تطبق الصمت إيزاء ما قاله ويقوله تسفا صهيون، ومحاري، وتيدروس زرؤو عن المسلمين بمختلف مكوناتهم، ظهرت فجأة متحدة عندما تحدثت الأخت ادحنيت مخاطبة المسلمين "لماذا لا تردون على من يشتمكم، لماذا لا تتحركون ضد من يتوعدكم بالقتل والابادة"، فاحتشدت مجموعات مدججة للرد عليها من بينهم عناصر مشهورة في المعارضة، قدموا عريضة لمحاكمتها، مع انها لم تهدد بالقتل او تشتم بل دعت المسلمين للرد. وصدر بيان مشترك من خمس مجموعات مختلفة ضدها، وبدا المشهد وكأن كل المسيحين التجرينية أصبحوا نسخة مصغرة من تسفاصهيون ويتبنون أفكاره ويتطلعون لترجمة أحلامه على الارض.

ويحدث هذا بينما المسلمون ظلوا يتجاهلون ما كان يقوله تسفا صهيون بشأنهم ظنا منهم بانه شخص معتوه، وما يطرحه من أفكار يعكس جنونه وحالته النفسية البائسة، وان لتسفا صهيون وزملائه اهل وأصحاب واناس يحرصون على حماية اللحمة الوطنية وسيعملون على منعهم من مواصل الحملة الإعلامية الموجهة ضد الاسلام والمسلمين، خاصة وان اللغة والأسلوب المتبع غير مألوف في المجتمع الاريتري الذي يشهد له القاصي والداني بعفة اليد واللسان سواء اكان مسلما او مسيحيا.

ولكن للأسف لم يحدث أي مما توقعنا ودخلت الحملة المسعورة عامها الرابع، وكانت كل الردود إما خجولة او متواطئة لا ترقى الى مستوى الاهانات والقذف والشتائم والتهديد بالإبادة الجماعية التي لا تزال توجه للمسلمين، وهم في حالة ذهول من هول ما يسمعون.

والحقيقة هي ان هذا الهجوم العنيف الذي تتعرض له هذه المكونات هو استمرار للعمل العدائي الممنهج الذي استهدف وجودها، وهو أيضا سلوك يومي يمارسه نظام هقدف ضدها منذ عام 1991م، ليس لكونه هذه المكونات معادية للنظام او تقاوم سياساته، بل لمجرد انها عائق محتمل امام استكمال المشروع الطائفي الذي يتبناه الهقدفيون.

فماضي وحاضر هذه المكونات التي وقفت سدا منيعا لحماية وحدة إرتريا من التقسيم ورفضت الالحاق والتهميش وتبنت مشروع الاستقلال، لا تزال تؤمن بهذه المبادئ دون ان تتزحزح عنها قيد انملة، ولكن كان هذا يكفي لجعلها هدفا لكل هذا الحقد الدفين والخطاب العنصري والتدمير الممنهج.

ولهذا لابد من التأكيد على انها وبقدر استهدافها للمكونات من غير المسيحين الأرثوذكس، تستهدف وجود إرتريا ككيان سياسي موحد ومستقل بالدرجة الأولى، وان الهجوم على جميع المكونات الارترية من غير المسيحين التجرينية، هو لمجرد انهم أعداء محتملين للمشروع الاجازي ولحماية المكتسبات التي يعتقدون بان نظام الهقدف قد حققها لهم على الارض.

وللتعرف على اهداف ومبادئ هذه المجموعات، سنقوم بزيارة قصيرة للتاريخ القريب لمعرفة جذور، ومنشأ فكر مجموعة الاجازيان وللتعرف على أباءها الروحيين والجهات التي تقف خلفها، وما تسعى الى تحقيقه على المديين القريب والبعيد، ولتأكيد حقيقة ان الاجازيان هي حركة مسيحية متطرفة تتبنى الفكر الصهيوني، تابعوني في الرسالة الثانية من سلسلة هذه المقالات حول "الاجازيان من اين والى اين؟".